-
"الاختيار".. ضرورة تاريخيّة وصناعة فنيّة تفضح خبيئة الإخوان
بينما يقترب مسلسل الاختيار في نسخته الثالثة من منتصف حلقاته، فإن ثمة حقيقة تؤكدها تلك الحلقات في الجزء الأخير كما في الجزأين السابقين، مفادها وجود سردية ضرورية تؤديها الدراما في مواجهة ليس فقط العدوان الإخواني الذي تعرضت له مصر في عام الحكم المشؤوم، إنما لفضح مخطط أبعد من الجماعة الإسلاموية، والتي كانت مجرد حلقة فيه تؤدي دورها المحدود والوظيفي.
ومن ثم، لا يعدو المسلسل الذي يصل لذروة الأحداث بصعود الإخوان للحكم، وقد اعتقد بعضهم أنه بداية "التمكين" الذي ينبغي تعميمه وفرضه على المؤسسات والأجهزة، كونه أكثر من سردية فنية توثّق ذلك المشهد الصعب والملغم، سياسياً ومجتمعياً، وفضّ الالتباسات حوله، فضلاً عن معرفة الشخوص الحقيقين الذين شكلوا حائطاً صلباً لحماية جدران الوطن من الخدوش والفجوات التي يتسلل منها الإرهابيون.
عمد صنّاع الاختيار إلى دمج مقاطع مصورة حقيقية من مسرح الأحداث داخل النسيج الدرامي للعمل منذ الجزء الأول للمسلسل، والذي عالج بطولات الجيش المصري ضد الإرهاب في سيناء، لا سيما الشهيد أحمد منسي، وبطولات رفاقه في عدد من مواقع المواجهة ضد الارهاب. ثم في الجزء الثاني اهتم بتحركات الشرطة المصرية وجهودها الميدانية والمعلوماتية ضد مخططات التخريب. غير أن توظيف المشاهد الوثائقية في الجزء الثالث من الاختيار كان مغايراً من ناحية الأثر والقيمة. وبالتالي مختلفاً في أثره وتأثيره على المشاهدين عموماً.
ربما ذلك على وجه التحديد ما مثّل هزّة نفسية وشكل حالة صراعية لدى ذباب الإخوان الإلكتروني، وعناصرهم الخفية والمعلنة، واقعياً وافتراضياً، إذ إن العمل يزيل القشرة المتوهمة ويفضح حقيقة أو بالأحرى خبيئة الإخوان الذين حاولوا في خضم الربيع العربي وما تلاه، أن يتخذوا من مؤسسات الدولة، وكذا من نشاطهم السياسي والمجتعمي، منصّة لتحقيق أغراضهم البراغماتية التي تتصل بمشروع الإسلام السياسي الأممي، برعاية إقليمية ودولية من بعض الأطراف الخارجية.
ولطالما سعى الإخوان عبر تاريخهم إيجاد سرديات تلفيقية مختلفة لكل المشكلات التاريخية التي عرجوا عليها، بحيث يتملّصوا من المسؤولية، إلا أنّه هذه المرة تباغتهم عدة أمور تقف في مواجهة صناعتهم الدعائية الانتهازية وتمنع قدراتهم في المناورة. إذ إن تسجيل الحوادث وتوثيقها بوفرة مع اتساع دور التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، فضلاً عن دور أطراف وجهات رسمية وغير رسمية في إدارة ذلك الأمر، يجعل مهمتهم شاقة بينما تبدو مثل سلاح فاسد يتوجه ضدهم.
أزعم أن الكثير يشاهد الاختيار ببصيرة من يسترجع أحداثاً مضت، فيدرك ما كان غائباً عليه في حينه. ولذلك، تأتي متابعتي لدراما الاختيار عبر ذلك التصوّر في كثير من المواقف. فمن الصعوبة بمكان أن أغفل كيف جاءت التعليمات بينما كنت -شخصياً- في استوديو التنفيذ في الإذاعة المصرية ظهيرة إعلان الانتخابات الرئاسية العام 2012، وقد طلب أن يغادر مبنى الإذاعة والتلفزيون كل من لا يحتاجه البثّ المباشر في الساعات القادمة، ثم مغادرة ماسبيرو سريعاً، فضلاً عن توفير الكثير من وسائل النقل داخل القاهرة أو بينها والمحافظات القريبة حتى يخرج أكبر قدر ممكن من المواطنين إلى مدنهم في أقرب وقت ممكن. وقبل انتهاء بيان اللجان المكلفة بإذاعة نتيجة الانتخابات الرئاسية.
غير مرة، تعرض دراما الاختيار سعي وتحرك الجماعة عبر قياداتها وقواعدها، للعمل على أخونة كوادر الدولة في دولاب العمل واختيار الوزراء والقيادات التنفيذية والمحلية من عناصر الاخوان. إلى ذلك هل يستطيعون التحايل عبر وسائلهم المختلفة، ومنها لجانهم الإلكترونية، وأن يدفعوا عن أنفسهم تهمة أخونة الدولة ووضع قيادات الجماعة عبر المناصب المهمة والنافذة في الدولة المصرية؟ هل يملكون تبريراً واحداً لمحاولاتهم شراء الذمم واسترضاء الإعلام ليقدم لهم صورة تقربهم من الجماهير؟ قطعاً الإجابة: لا.
ربما البعض يشك في قدرتهم على ذلك، غير أنني أملك يقيناً نحو ذلك لا ينازعني فيه أيّ ظن. وذلك أمر يعود كوني كنت أحد شخوصه وشاهداً على أحداثه حين مضى رئيس الوزراء آنذاك، هشام قنديل، بصحبة القيادي الإخواني وزير الإعلام السابق، صلاح عبد المقصود، يستدعي بعض البرامجيين في اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري لجلسات في مقر مجلس الوزراء بالقاهرة، ويطلب منهم أن يقدموا صورة ملطفة ومحسّنة عن أداء الحكومة رغم غياب كافة الخدمات في ذلك الوقت من توفير الكهرباء والوقود للمواطنين بحجة الأزمة الاقتصادية وتعنّت صندوق النقد الدولي في إجراءاته مع القاهرة وعندما تدخل -كاتب هذه السطور- مع رئيس الوزراء قائلاً: "لا ينبغي لرئيس الحكومة المصرية أن يتوقع تعاون صندوق النقد الدولي بما له من ظلّ سياسي في مهامه أن يتعاون معنا وهو يدرك الدولة المصرية بوجه إخواني محض ولا ترى غير الجماعة في كل خطوة وتغرب بوجهها عن كافة القوى السياسية في البلاد"، الأمر الذي غضب منه رئيس الوزراء ودفعه للاصطدام معي ومحاولة مقاطعتي وكذا وزير الإعلام. كما وجه قنديل حديثه للأخير قائلاً: "شوف الناس اللي أنت جايبها يا عبد المقصود؟".
الجماعة في خضم كل ما حدث لم تدرك بعد أن الخصومة الحقيقية ليست مع السلطة في القاهرة، أي سلطة، ولا مع حقائق دراما الاختيار، سواء كان عبر خطوطها الدرامية أو مشاهدها الوثائقية، بل الأزمة مع الشعب المصري بكافة طوائفه وقطاعاته المجتمعية، الذي أدرك مع كل يوم مر منذ اللحظة التي حاز فيها الإخوان السلطة في مصر كم المأساة التي وقعت فيها البلاد عبر شخص مهتزّ، تحركه قيادات مكتب الإرشاد والتنظيم الدولي للجماعة. يسعون جميعاً لتوطئة سلطة تسلخ القاهرة من أساسيات واستراتيجيات أمنها القومي، عبر احتضانها لتحركات إقليمية ودولية، تؤسس لمحددات جديدة للأمن الاقليمي من خلال تركيا وطموحات رئيسها رجب طيب أردوغان في قيادة الشرق الأوسط، كوكيل للولايات المتحدة الأمريكية، التي رغبت منذ بدايات الألفية الجديدة بتموضع الإسلام السياسي من خلال فروع الإخوان محل النظم التقليدية في عدد من الدول العربية.
نحو ذلك، تأسس يقين المصريين أن لحظة خروجهم على حكم الإخوان وممثلهم محمد مرسي هي من اللحظات اللافتة في دفتر تاريخ الوطن، وأنّ سنة واحدة كانت كفيلة أن يرفع عنهم الغطاء. ويبدو في حالة مكاشفة مع حقيقة مخاصمتهم للوطن. وليس ببعيد عن الجميع أن ما تقدمه دراما الاختيار، في نسختها الثالثة، هذا العام، يماثل الواقع الذي تعيشه تنظيمات الجماعة في تونس والمغرب وليبيا.
ليفانت - رامي شفيق
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!